البيئة في الدين واللغة

يعود الأصل اللغوي لكلمة البيئة في اللغة العربية إلى الجذر (بوأ) الذي أُخِذ منه الفعل الماضي (باء)، ويمكن أن تطلق البيئة مجازًا على المكان الذي يتَّخذه الإنسان مستقرًا ليعيش فيه، وقد استخدم علماء المسلمين كلمة “البيئة” استخدامًا اصطلاحيًا منذ القرن الثالث الهجري، للإشارة إلى الوسط الطبيعي ( الجغرافي والمكاني والإحيائي الذي يعيش فيه الكائن الحي بما في ذلك الإنسان) ، وعندما خلق الله تعالى آدم عليه السلام ذكر في كتابه الحكيم أنه سيجعله خليف في الأرض  (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30( سورة البقرة )، كما أشار الله كتابه الحكيم أكثر م مرة ونبّه عباده إلى عدم الافساد في الأرض (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (85) سورة الأعراف ) ، كما حثّ القرآن الكريم المسلم على حماية البيئة والمحافظة عليها، وجعل ذلك واجبٌ دينيٌ، وأمر الله -تعالى- بالتعامل مع البيئة على أنّها ملكيةٌ عامةٌ يتوجّب على المسلم المحافظة على مكوناتها وثرواتها ومواردها، وأنّ الأرض وما فيها من نعم الله -تعالى- التي يجب على المسلم شكر الله عليها؛ لتثبت وتستمر ويزيده الله منها، أمّا إن لم يؤدها بواجبها ولم يشكر الله كان ذلك سبباً في زوالها واضمحلالها ،فالأرض أمانةٌ يجب على الإنسان حمايتها، وسخّر الله الأرض للإنسان لإدراك كلّ ما تعلقت به حاجات الناس من غرسٍ وحرثٍ وبناءٍ، وكذلك جاءت السنة النبوية بالحثّ على المحافظة على البيئة وعدم الإضرار بها بأي شكلٍ من الأشكال، فالضرر بالإسلام منهيٌ عنه في جميع صوره، وقد أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بإماطة الأذى عن الطريق والأذى يشمل جميع الأنواع، كما إنّ إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، وجعل من حقوق الطريق كفّ الأذى، واهتمت السنة بتخضير الأرض والغرس والتشجير، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم في  الحديث الشريف ( من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول : يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة ) ، ودخل رسول الله صلى لله عليه وسلم بستانا لرجل من الأنصار فإذا فيه جميل، فلما رأى النبي صلى الله عليه  وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح دمعه ثم قال من صاحب هذا الجمل؟ فقال صاحبه : أنا يا رسول الله، فقال له صلى الله عليه  وسلم : أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فأنه شكا إلي تجيعه وتدئبه – أي تتعبه بكثرة استخدامه -، كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا ( أي هدفا ) ونهى عن التحريش بين الحيوانات ووسمها في وجوهها بالكي بالنار، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( في كل كبد رطبة أجر )، ومن التوجيهات النبوية فيما يتعلّق بالبيئة عدم احتجاز الأرض، والحثّ على زراعتها واستصلاح الأراضي الجدباء، ونهى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن قطع الأشجار المثمرة ، ومن الأحاديث الشريفة التي تدعو إلى الحفاظ على الاشجار ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها.. فليغرسها”.   

والله يعلم أن الانسان لابد ما يفسد في الأرض طمعا وقد قال تعالى ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)، سورة الروم ) ، والفساد في اللغة ضد الإصلاح، يقال فسد الشيء يفسد فسادا وفسودا فهو فاسد والمفسدة ضد المصلحة ، وكلمة الفساد تعبر عن أي خلل يقوم به الانسان من سلوك شائن أو فعل قبيح، او صفة مرذولة أو اضطراب يحدثه الانسان فيتسبب بالخلل في النظام الطبيعي. 

والتلوث : لوث الأمر أي لبسه ولوث الماء أي كدره ، فالتلوث له معنيان في اللغة : معنى مادي وهو اختلاط شيء غريب عن المادة بمكونات المادة مما يؤثر عليها ويفسدها كتلوث الماء ، والتلوث المعنوي ويعني التغيير الذي ينتاب النفس فيكدرها او الفكر فيفسده وهذا التغيير يكون دائما إلى ما هو أسوأ والتلوث بمعنييه المادي والمعنوي يعني فساد الشيء المادي والمعنوي سواء كان كائنا حيا أو جسما ماديا غير حي كالتربة والهواء . 

وقد صنع الانسان الحديث كل هذا فلم يسلم من أذاه وطمعه جميع الكائنات الحية في البر والبحر ( علما بأن كائنات الجو كالطيور تجمع مع كائنات البر جميعا ) . 

لذا على الإنسان أن يراعي الاعتدال والوسطية في الأرض، واستغلال موارد الأرض بما يحافظ على البيئة والنظام الطبيعي ومن يعيش فيه من كائنات حية غير الانسان . 

–removed

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *